إن لخصخصة المياه في القاهرة تاريخ طويل يرجع إلی منتصف القرن التاسع عشر، فكيف غير هذا ملامح السلطة والسيادة على أحد أهم الموارد الحيوية في المدينة؟ يعود تاريخ شبكة إمداد المياه إلی عام ١٨٦٥، حين تأسست "شركة مياه القاهرة" على يد مجموعة من المستثمرين الفرنسيين والمحليين الذين كان لهم نفوذ قوي في الدوائر الحكومية. واستطاعت الشركة، بموجب هذا النفوذ، الحصول علی امتياز لمدة ٩٩ عامًا. توسع عمل الشركة توسعًا كبيرًا بعدها، إلا أنها بدأت في مواجهة تحديات قانونية وسياسية متزايدة بحلول ثلاثينيات القرن العشرين، حيث انقلب الرأي العام ضدها بصفتها واحدةً من الشركات الاحتكارية الكبرى ذات الرأسمال الأجنبي، مثلها مثل شركة قناة السويس وشركات الغاز والكهرباء والترام.
أُمِّمت شركة المياه عام ١٩٥٧، بعد عام من تأميم قناة السويس، حيث صاغ النظام الناصري سياسة تأميم هذه الشركات باعتبارها الفعل النهائي للتخلص من الآثار الاقتصادية للاستعمار.
أما بالنسبة لشبكة الصرف الصحي، فإن تاريخها يعود إلی عام ١٩١٥، حيث أنشأتها الحكومة المصرية (تحت الاحتلال الإنجليزي) بعد أكثر من عقدين من الدراسة والتخطيط. تعكس هذه الفترة التحضيرية الطويلة – في المقام الأول – الاعتبارات الاقتصادية للمشروع، إذ كانت أنظمة الصرف الصحي من بين أغلى التقنيات الحديثة في ذلك الوقت. وقد بلغت التكلفة الإجمالية للمشروع ٢،٣ مليون جنيه مصري، وهو ما يعادل تقريبًا تكلفة خزان أسوان الذي أنشئ عام ١٩٠٢، وكان حينها أكبر مشروع ري من نوعه في مصر.
تتناول هذه المحاضرة تاريخ القاهرة ما بين منتصفي القرنين التاسع عشر والعشرين من منظور محدد، وهو إدارة وتوزيع الموارد المائية. شهدت العاصمة المصرية في هذه الفترة طفرة كبيرة في إمداد المياه واستهلاكها بفضل إنشاء الشبكات الحديثة لتوزيع وصرف المياه، مما ترك أثرًا بالغ الأهمية في الحياة اليومية للقاهريين وفي التخطيط العمراني للأحياء الجديدة، إضافة إلى تأثيره في الاقتصاد السياسي لهذه الخدمات الحيوية. وقد كان هذا التحول من القوة أيضًا أن يعصف بالنظم القديمة في توريد وتوزيع المياه والتي سادت في المدن المصرية لقرون طويلة؛ إذ اندثرت مهنة السقا، وتقلصت أهمية الخدمات المائية الجماعية التي كانت تُقدمها الجوامع والأسبلة والحمامات العامة.
شهاب إسماعيل مؤرخ متخصّص في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، تتركز اهتماماته البحثية في مجالات تاريخ العلم والتكنولوجيا، التاريخ البيئي والحضري، وتاريخ الفكر الاقتصادي. نال درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة كولومبيا (نيويورك، الولايات المتحدة). أطلق موقع "المدق" في عام ٢٠٢٠، وشارك مع يحيى شوكت في تحرير كتاب "نشتري كل شيء" (دار المرايا، ٢٠٢٢). كما يستعدّ لإصدار كتابه الأول بعنوان "اقتصاد الأنابيب: هندسة مياه القاهرة الحديثة" قريبًا.
** هذه المحاضرة مفتوحة بالمجان للجمهور ولكن يتطلب التسجيل للحضور، ستقام باللغة العربية.
تنظم هذه المحاضرة بالتعاون مع مادة «إيكولوچيا المدن» - جزء من برنامج دبلومة مركز دراسات العُمران التطبيقية (BIAS-AME).