الأنشطة

المدونة

لماذا نحن هنا؟

تم النشر في 09‏/02‏/2023
الكاتب أحمد زعزع

في أوائل الألفية، كان بييجي برنامج أطفال على سبيس توون إسمه "لماذا نحن هنا". وكان أغنية المقدمة البرنامج بتطرح أسئلة حيرت الشابات والشباب في المرحلة العمرية ديه. واللي كان منها أسئلة زي "لماذا البيض بيضوي؟"، "لماذا يعيش السمك في الماء؟"، "لماذا الإثنين قبل الثلاثاء؟"، "لماذا نحن هنا؟؟؟". فترة الجامعة كانت هي الفترة اللي محتاسين في إحنا مين؟ وعايزين إيه؟ وإحنا هنا ليه؟ وإيه اللي بيحصل حوالينا؟ وكان عادي إن نسمع كلمة، تشكل قرارات مستقبلنا ورؤيتنا للأمور، لمجرد إنها إتقالت من حد أكبر مننا سناً.

في نفس الوقت ده كنت طالب في سنة ثالثة عمارة. وفي يوم من الأيام، دكتور بيدرس لنا الرسم التنفيذي – وكان قامة من قامات المعمار - خدته الجلالة وقال يجود ويدينا حكمة كدة ببلاش من عنده. وبصوت أبوي وحكيم، قال لنا "عارفين يا ولاد... المعماري، هو الرب الأصغر"... و بعد صمت ثلاث ثواني، أضاف "تخيلوا كدة إنكم صممتوا مستشفى ولادة... أول حاجة هيشوفها المولود في حياته، هو زواية معينة في غرفة الولادة، اللي إنتم صممتوها".

بغض النظر إن كل طالب وطالبة جت في دماغهم فكرة إن المولود بيتولد مغمض، إلا إن حبينا الفكرة جداً وفهمنا على طول قصده. وفهمنا إحنا ليه "هنا". وهو إن إحنا "المعماريين"، اللي بنشكل العالم بتفاصيله ومساحاته. وإن قرارتنا مهمة ومؤثرة، بل مصيرية للعالم والبشرية. كنا خارجين من المراهقة، ونفسنا نحس إن لينا لازمة. وبقينا ماشيين في الجامعة نبص لطلبة الكليات التانية بفوقية مبالغ فيها. بس اللي ما أدركناهوش إن رؤية الدكتور للمجال، وغيره من أساتذة العمارة، بتغذي فكرة إن المعماريين يقدروا يعملوا كل حاجة. وإن دراسة مجالنا بتأهلنا إننا نعمل دراسات إقتصادية، وتقييمات بيئية، ونعمل دراسات إجتماعية، وبنفهم في الزراعة والسياحة والحجارة وأنواع القماش، والفلك. بالنسبة لنا مش كيميا... وحتى لو كيميا، هنفهم فيها برضه... وإننا ممكن مانحتاجش المجالات الأخرى، والمنتج بتاعنا هيطلع ناجح ومتوازن برضه. وإن تحتم وجودهم في مشروع ما، بيخيم على إدراكنا إننا عادي جداً نعمل اللي بيعملوه، وفاهمينه جداً.

طبعاً ده بيبقى بعيد تمامًا عن المنطق، خصوصاً لأن طول الوقت الواقع بيعكر لنا صفو الفكرة دية. وده بيتجلى لما نلاقي إننا صممنا أو خططنا حاجة، ونلاقي الناس ماستخدمتش اللي عملناه زي ما إحنا عايزين خالص. فنعاند ونلوم الناس على سوء إستخدامهم للمنتج بتاعنا، واللي ساعات بيوصل لدرجة وصف الإستخدام الخاطئ للمنتج المعماري أو العمراني، بالهمجية والغوغائية. وأوقات ممكن نقع في فخ الاستحقاق واستباحة موارد مختلفة، في سبيل إننا مجرد نحقق رؤيتنا المعمارية. وكتير يغيب عن وعينا إن المبنى اللي صممناه، أو الحي اللي خططناه، هي أبعد من لوحة الرسم. هي مساحات في المدينة بتفاعلاتها وتعقيداتها وبيستخدمها آلاف أو حتى ملايين البشر، بتنوعات إحتياجاتهم وإهتماماتهم. مش بس البشر، بل إن عوامل تانية أشمل من الإنسان، زي المناخ، الاقتصاد، التاريخ، التنوع البيولوجي، الحوكمة، السياسة.. إلخ، قادرة إنها تغير كل اللي صممناه على الورق، لو ماخدناهمش في الإعتبار من خلال خبراء متخصصين في المجالات دي.

ده مش معناه إننا مالناش دور حقيقي. على العكس... لينا دور مهم، بس وسط دايرة أوسع من التخصصات التانية. وكل لما التخصصات تتداخل أكتر وتشتغل مع بعض أكتر، بنقدر نتعامل مع قضايا وعوامل أكتر وبالتالي نسد فجوات أكتر، ونطرح منتجات شاملة أبعاد أعمق. واللي بيكمل الدايرة ديه، هما المستخدمين نفسهم. واللي وجودهم كشريك في خلق المنتج، حتمي علشان نضمن إستخدام أكثر كفاءة، وملائمة، وإستدامة أطول للمنتج. وهما أكثر طرف قادرين دايماً يعيدوا صياغة الأهداف اللي إتبنى عليها المنتج، وهما اللي بيغيروا المخطط علشان يخدم في توفير إحتياجاتهم.

بالتالي، وفي المرحلة العمرية والمهنية اللي أنا فيها حالياً، وبشكل شخصي، بقيت مقتنع إننا كمعماريين "هنا"، علشان نحاول نفهم، ونضيف شوية معلومات فنية في المجال، ونشبكها مع معلومات فنية ورؤى من المجالات تانية. وده مش حل سحري إو روشتة نجاح، على قد ما هو إعلان إن العمران هو أكبر من المصمم/ة. يعني كل مجال له إضافة في العمران، مش المعماري ولا المخطط العمراني بس. وإن العمارة هي أبعد من خريطة ولا المسقط الأفقي على أوتوكاد. وإن الدور محتاج المزيد من التعمق في فهم المستخدمين من خلال زوايا رؤية مختلفة، وبعد كدة طرح الحلول بيبقى مقدور عليها.

الرؤية ديه شخصية... وأكيد الرؤى هتختلف، خصوصاً وإنها بتمس سؤال "الوجود". أتمنى القراء يشاركوا رؤاهم/ن عن "لماذا نحن [المعماريين/ المصممين/ المخططين] هنا؟"

كتابة: أحمد زعزع